السبت، 15 أغسطس 2015

الحطيئة

الحُطيئة

هو جَرْوَل بن أوس بن مالك, ولُقِّب بالحُطيئة لقِصرِه وقُربِه من الأرض, هو شاعرٌ مُخَضرَمٌ أدركَ الجاهليّة والإسلام, من فحولِ الشعراءِ وفُصحائِهم, متصرّفٌ في جميعِ فنونِ الشعرِ, وإنْ كان قد اشتُهِرَ بالهجاء, إذ كان ذا شرٍّ وسفهٍ.

كانَ مغمورَ النسبِ, ومن أولادِ الزنى الذين شرُفوا, فشبّ محروما مظلوما، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس، ولم يكن يسلم أحد من لسانه فقد هجا أمّه وأباه حتى إنّه هجا نفسه.

حبسه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسبب هجاءه للزبرقان بن بدر ! فجعل الحطيئة يستعطفه ويرسل إليه الأبيات، ومما قال :

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ = زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ

فلم يلتفت إليه عمر، حتى أرسل إليه الحطيئة:

ألقيت كاسبَهم في قعر مُظلمة = فاغفر عليك سلام الله يا عمر
فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم = بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ
نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ = من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ

قال عمر : فإياك والمقذع من القول فقال الحطيئة: وما المقذع؟ قال عمر: أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان؛ قال الحطيئة: فأنت والله أهجى مني.
ثم قال له عمر : والله لولا أن تكون سُنّة لقطعت لسانك . فاشترى عمر منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وأخذ عليه عهداً ألا يهجو أحداً ولكن يقال أنه رجع للهجاء بعد استشهاد عمر بن الخطاب .

وقال عن أمه :

تنحي فاقعدي مني بعيداً = أراح الله منك العالمينا
ألم أوضح لك البغضاءَ مني = ولكن لاأخالُكِ تعقلينا
أغربالاً إذا استودعت سراً = وكانوناً على المتحدثينا
جزاك الله شراً من عجوز = ولقاك العقوق من البنينا
حياتكِ ماعلمت حياةُ سوء = وموتُكِ قد يـسرُّالصالحينا

وقال عن أبيه :

فنعم الشيخ أنت لدى المخازي = وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي = وأبواب السفاهة والضلال

وقال يهجوا نفسه:

أبت شفتاي اليوم إلا تلكماً = بهجو فما أدري لمن أنا قائله

فرأى وجهه في الماء فقال:

أرى اليوم لي وجهاً قبح الله خلقه = فقبح من وجه وقبح حامله

اعتبره النقاد رائد الشعر القصصي العربي ومن ذلك قصيدته قصة الكرم .

أوصى قبل أن يموت فقال : احملوني على بغل واتركوني راكبها حتى أموت

فإن الكريم لا يموت على فراشه .

فحمل على بغل وجعل يذهب به ويجيئ حتى مات وكان آخر ما قاله قبل أن يلفظ أنفاسه :

لا أحد ألأم من حطيئـة
هجا بنيه وهجا المريـة
من لؤمه مات على فرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق